السؤال
السلام عليكم..
جزاكم الله خيرا على جهودكم..
نحن مجموعة من الإخوة والأخوات، وكل يوم في رمضان نقوم بالإفطار مع بعضنا في بيت أحدهم بالتناوب، وهذه عادة اعتدنا عليها، ولكن في هذا العام، وفي اليوم الثاني أرسلت زوجة أحدهم رسالة، تخبرنا فيها أنها لا تريد أن تشارك في الإفطار.
مشكلتي أنني كرهت تصرفها، وانتقدت أخي على رضاه، مع العلم أننا نساعد الجميع، وأعذارها غير مبررة، فكيف أتصرف معها؟ فأنا لا أستطيع أن أنظر إليها، ودخل في قلبي كرها لها، وأريد أن أتصرف بشكل طبيعي، ولكنني أعاني من عدم التحكم في مشاعري، فعندما أرى الخطأ، لا أرد، ولا أحرج، ولكن يوضح في ملامح وجهي، وهذه الملامح تتعبني.
أريد أن أعرف الطريقة التي أستطيع بها أن أسيطر على أعصابي؟ وما هي الخطوات الصحيحة لكي أتخلص من هذه الملامح الواضحة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك ، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، ، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يرزقك الحلم، والأناة، وسعة الصدر، والتماس العذر، وأن يجعلك محبوبة من كل من يتعامل معك، وأن يرزقك محبته جل جلاله سبحانه، وأن يعينك على تخطي هذه النقاط الضعيفة، وأن يستعملك في خدمة دينه، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فالذي يبدو من رسالتك أنك ضحية تربية كان فيها شيء من عدم الاستقامة، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية والاجتماعية، وهذا الانحراف الذي حدث في التربية الأولى منذ الصغر، ترتب عليه أنك أصبحت لا تتحملين، ولا تطيقين أن يخالف أحد رغباتك، ووصل بك الحال إلى أنك أصبحت لا تتحكمين في مشاعرك عندما ترين أمرًا فيه خطأ، حتى وإن كنت لم تتكلمي ولم تجرحي أحدًا، إلا أنه يبدو ذلك في ملامحك، ويقرأه من ينظر إلى وجهك، وتسألين عن طريقة تعرفين بها السيطرة على نفسك، وما هي الخطوات الصحيحة للتخلص من هذه الملامح الواضحة؟
أولاً: لابد أن نعلم أن الغضب بداية وأصلاً وأساسًا إنما هو من الشيطان، ولذلك النبي - عليه الصلاة والسلام – أوصانا بقوله: (لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب) وأخبرنا أيضًا - عليه الصلاة والسلام – أن الشيطان يحضر الإنسان عند غضبه، وذلك عليه إذا ما شعر بنوبات الغضب أن يبدأ في محاولة التخلص منه، وذلك بأن يغير وضعه الذي هو عليه، فعلى سبيل المثال: يبدأ بقوله (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) حتى يُطفئ نار الشيطان كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – أحد الصحابة وهو في حالة غضب.
الأمر الثاني: إذا كان الغضب مُحددًا، وشديدًا، ويخشى أن تخرج منه عبارات مزعجة، أو يخشى أن يُزعج الآخرين، أو تُحسب عليه، أن يترك المكان الذي فيه الطرف الآخر، وأن يبتعد عنه قليلاً، كذلك من الممكن إذا كان قائمًا أن يجلس، وإذا كان جالسًا من الممكن أن يضطجع، فهذه كلها تصرفات جسدية يترتب عليها الحد من نوبة الغضب التي تعتلي الإنسان، وقطعًا أعظمها أن يتوضأ الإنسان حتى يُطفئ نار الشيطان بالكلية، كما هو معلوم أيضًا من هدي النبي المصطفى - عليه الصلاة والسلام – وتوجيهه لأصحابه.
هذا هو الغضب عمومًا، حتى وإن كان غضبًا في الحق، لأن النبي - عليه الصلاة والسلام – كان لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله تعالى، ولكن هذا الغضب لا ينبغي أن يدفع الإنسان لأن يتلفظ بعبارات جارحة، أو نابية، أو مؤلمة للطرف الآخر.
أما إذا كان الغضب لمجرد النفس، وحظ النفس، ومخالفة المألوف بالنسبة للإنسان، فعليه أن يتبع هذه الخطوات، وأن يُتبع نفسه الغضب، كالحالة التي ذكرتها أنت في رسالتك، من أن إحدى زوجات أحد إخوانك اعتذرت عن الإفطار الجماعي، فهذا في واقع الأمر لا يقتضي الغضب ولا غيره، لأن هذه حرية شخصية، ولعل المرأة رأت أنها غير مستريحة لهذا السلوك، ومن حقها حقيقة أن توافق أو تعتذر، ولا أعتقد أنها ارتكبت ذنبًا ولا جُرمًا.
تقولين بأن أعذارها غير مبررة، حتى وإن كانت غير مبررة، لعله بَدا لها شيء أنها لا تريد – مثلاً – أن تأكل معكم، قد يكون في نفسها شيء مع أحد الأطراف الآخرين، أو قد تكون مثلاً ترى أنها تتعب في إعداد الطعام رغم أنكم تساعدونها، المهم أن هذا من حق أي إنسان، وهذا تصرف طبيعي، ولذلك لا أرى أمرًا يقتضي منك غضبًا، وإنما هي امرأة لا ترغب، فلنتركها وشأنها.
ولنتصور أنك مكانها، فرضًا، وأن عندك عذر داخلي، وأن هناك شخص لا ترغبين أنت في رؤيته – مثلاً – بصفة منتظمة، أو أن مكان بيتك – مثلاً – ضيق، أو أي شيء من هذه الأشياء، سواء كان مبررًا أو غير مبرر، فهذا ليس فيه أمر يقتضي أو يستدعي أبدًا مسألة الغضب.
ولذلك الخطوة الصحيحة كما ذكرتُ لك هي كما يلي:
أولاً: اعتبار الأمر أمرًا عاديًا، وتحليل الأمر إلى عوامله الأساسية الأولى، وهو ما الذي يقتضي الغضب في هذه الحالة؟ امرأة لا تريد أن تأكل مع الجماعة، هل هناك مشكلة في ذلك؟ أنت الآن تقولين عتبت على أخيك، وانتقدته كيف أنه يمشي وراء امرأته، قد يكون الرجل مقتنعًا بوجهة نظر امرأته، ولكنه لا يريد أن يُخبركم بالحقيقة، وقد تكون هي - مثلاً - أعذارًا واهية، ولكن في الحقيقة هناك أعذار أخرى أنتم لا تعلمونها، ونحن مطالبون - أختي الكريمة سارة – بالتماس الأعذار للخلق، لأن هذه كما ذكرتُ لك أمور عادية جدًّا، لا تقتضي الغضب، ولا التغير في ملامحك، ولا تقتضي شيئا بالمرة، وإنما هي طالما لا تريد فهذا شأنها.
أنت من حقك أن تغضبي لو أنها اعتدت عليك اعتداء شخصيا مباشرا، ويجب أيضًا أن تناقشيها لمعرفة الأسباب والدوافع، أو أنها ارتكبت جُرمًا في حق أي إنسان، أو أخطأت في حق أي أخت من الأخوات، أو أي أخ من الأخوة، ولكن هذا أمر حق لكل إنسان وله الحرية، ولا ينبغي لنا أبدًا أن نجزع أو نغضب عندما يمارس الإنسان حقه الطبيعي في الحياة.
إنسانة تلبس ملابس معينة، ألوان معينة هي ترتاح لها، أنت لا ترتاحين لها، تغضبين لماذا؟ هذه حرية شخصية، وهذا حقها، ولكن أنت تنزعجين مثلاً إذا كانت هذه الملابس - مثلاً - غير شرعية ممكن، إذا كانت هذه الملابس مُثيرة- مثلاً -وتدعو إلى السخرية والاستهزاء هذا ممكن، على أن تتكلمي معها، فإن قبلت كلامك قبلت، وإن لم تقبل فليس من حقك حقيقة أن تغضبي منها.
إذن أتمنى أن تفرقي ما بين الغضب الشرعي الذي هو لله تبارك وتعالى، وهذا الذي نغضب فيه لله، مع مراعاة الضوابط، أما ما سوى ذلك فليس من حقك، ولذلك حاولي أن تقاومي هذا، وأسأل الله أن يسع قلبك كل الناس، ونسأله سبحانه أن يؤلف على الخير قلوبكم، وأن يصلح ذات بينكم، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.