السؤال
السلام عليكم
سؤالي: ما هي فائدة الكلام؟
سؤال جميل، ولكن لنذهب إلى حقيقة الأمر، ما هي فائدة الكلام؟
أولاً: علينا أن نفرق بين الكلام الناضج والعاقل والنافع، وبين الكلام السيئ الضار، والذي يؤدي إلى المشاكل والأشياء السلبية، كما أن علينا أن نفرق بين الشخص الذي يتكلم من أجل هدف، والشخص الذي يتكلم من أجل الكلام.
فنفس الإنسان هي التي تتكلم، وهي التي تختار كلامها بمساعدة العقل
والجسم اللذين يساعدانها بالنطق، وفي بعض الأحيان عندما يتكلم الإنسان لا يعرف ماذا يقول! وهذه هي المشكلة عند العديد من الناس، وهذا الأمر خطير على الإنسان نفسه؛ لأن عليه بالتفكير في طبيعة كلامه قبل أن ينطق به؛ لأنه يمكن أن يكون كلامه جارحا أو سيئا أو مؤلما للذي يخاطبه، وعلى الإنسان أن يحرص على أن يكون كلامه كلاما حقا، والذي يسعى وراء الخير، وليس الكلام الذي يؤدي إلى الفتن بين الناس.
فالكلام فائدته عظيمة لمن يستعمله كما يجب، فبالكلام يمكن للإنسان أن يشرح مشاعره، ويسعد الأشخاص الذين حوله، وكذلك يمكنه فعل الخير، مثل قول الحق، والكلام في مسائل الدين، وفي المواضيع النافعة.
أما عن الكلام الضار فهو ليس إلا بكلام المنافقين والسيئين الذين لا يعرفون التحكم في نفوسهم وفي أفواههم، والذين لا يعرفون الفرق بين الخير والشر، ويزين لهم الشيطان الكلام الخبيث أكثر من الكلام الطيب، وهنالك البعض أيضا مصاب بمرض الكلام، ألا وهو أنهم فقط يعجبهم أن يتكلموا بدون سبب، وهذا يؤدي إلى النميمة والكلام الفاسد، وأما البعض الآخر فيتكلمون فقط من أجل الكلام وإرضاء الآخرين، وكل هذا الكلام ليس إلا كلاما يأتي من الشيطان والعياذ بالله.
وعن هذا الموضوع سألت زميلا لي من أصل بريطاني، وأجابني أن الكلام خطير جدا، وأنه يمكن أن يفرق بين الأشخاص، ويمكن أن يسبب الحروب والمشاكل، وأنه في نفس الوقت يمكن للإنسان أن يدخل السعادة في نفوس الناس فقط بكلامه، وهو وسيلة من أجل أن يشرح ويطرح ويقدم ويفهم الآخرين عن مشاعره، وما يشعر به، وكذلك على الإنسان أن يحذر من كلام الآخرين؛ لأنهم يمكن أن يكونوا منافقين وكاذبين في كلامهم.
وسؤالي لفضيلتكم يا شيخنا هو: ما هي فائدة الكلام بصفة عامة؟ وما هي أضراره ونفعه؟ وهل أضراره أكثر من نفعه؟
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نعم إنه سؤال جميل، وأيضًا فإنك قد أجبت عليه قبل أن تسأله، فأنت - بحمدِ الله - لك الاستيعاب الحسن لفائدة هذا الكلام، ولك أيضًا استيعاب قوي لمضاره، فأنت قد أوضحت بجلاء جواب سؤالك، فهذا اللسان نعمة من الله جل وعلا كسائر النعم، كالسمع، والبصر والفهم، وكسائر النعم التي آتاها الله جل وعلا عباده، فمتى ما استُخدمت الاستخدام الحسن، وذلك وفق ما يرضى الله جل وعلا، وما شرع رسوله - صلوات الله وسلامه عليه – فهي حينئذ في محلها الكريم، وصارت خيرًا وفضلاً ونعمة سابغة على الإنسان، ومتى ما استخدمت هذه النعمة في الشر وخرج بها عن طاعة الله وعن طاعة رسوله صارت - والعياذ بالله – نقمة عليه بهذا الاعتبار لأنه أساء استخدامها.
وها أنت الآن تنظر إلى هذين الشخصين اللذين أمامك: ها هو رجل يتكلم بذكر الله - عز وجل - فيقرأ شيئًا من كتاب الله، ويسبح ربه ويمجده، وها هو يجلس مع والديه فيسرهما بكلامه اللطيف، ويبهج قلبهما بمحادثته التي تؤنسهما والتي تفرحهما، فكم من أجر قد نال بإدخاله السرور على قلب والديه، وكذلك ها هو يمر فيجد بعض الناس يرتكبون المعاصي فينصحهم ويأخذ بيدهم إلى الحق، ويدلهم على الخير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إذن فقد استخدم لسانه الاستخدام العظيم الذي يجعله في أعلى المقامات عند رب العالمين.
وانظر إلى ذلك الرجل الذي هو على النقيض تمامًا، ها هو يجلس فيتكلم فإذا به يغتاب الناس، وإذا به يقع في النميمة، وإذا تكلم، تكلم بالشر والفساد والفحش، بل على النقيض تمامًا فكما يأمر ذلك بالمعروف وينهى عن المنكر فهذا ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر، وما أكثر أن يقع هذا من بعض الناس، كما قال جل وعلا: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
وهذا المعنى الذي أشرنا إليه قد بيَّنه - صلوات الله وسلامه عليه – غاية البيان وجمع بين الصورتين في حديث واحد؛ كما خرّجه البخاري في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم).
فتأمل كيف أن كليهما قد تكلم بالكلمة، فالأول ارتفع بها درجات العلى في الجنة عند ملِيك مقتدر، وذاك تكلم بكلمة أيضًا ولكنه هوى بها دركات في جهنم، فبينهما من التفاوت كما بين السماء والأرض.
وهذا المعنى أيضًا منصوص في كلامه الشريف في غير ما موضع كما خرجه مالك في الموطأ عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه).
فثبت بهذا أن الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وأن هذا اللسان إنما هو آلة يستخدمها صاحبها ويسيرها فإن سار بها طريق الخير أفلح ونجح، وإن سار بها طريق الشر خسر وخاب، فالأمر مرده إذن إلى كيفية استخدام هذه النعمة، فإن اللسان من أعظم ما يُدخل على الناس الشر، ومن أعظم ما يُدخل عليهم أيضًا الخير، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم – بيَّن أن من ملَك لسانه فقد ملَك أبواب الخير وجوامعه، كما خرج الترمذي في السنن عن معاذ بن جبل أنه قال: (قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟: الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. ثم قال: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه فقال: كُفَّ عليك هذا. قلت: يا رسول الله وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك وهل يُكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم). إذن فمن ملَك لسانه فقد ملك أبواب الخير، وها هنا موقف عظيم فيه عبرة فتأمل فيه:
دخل المعتز بن الخليفة على ابن السِّكيت – وهو من كبار الأدباء والفصحاء في زمنه – وكان معلمًا لابن الخليفة، فلما دخل الشاب وهو معتزٌ بنفسه وفيه شيء من طيش الشباب، قال له معلمه: بما تحب أن نبدأ؟ قال: بالانصراف. قال: أتحب أن أنصرف يا بني؟ فقام الشاب فقال: أنا أسرع منك. فقام لينهض فعثر في ثوبه فسقط على الأرض فأنشد بن السكيت:
يموت الفتى من عثرة بلسانه *** وليس يموت المرء من عثرة الرِّجْلِ
فعثرته بالقــول تُذهب رأســه *** وعثرته في الرجْل تبرى على مهـلِ
فهذا يبين لك أن الإنسان متى ما ضبط لسانه فقد ضبط شأنه وأمره، وفي هذا كلام مستفيض عن النبي - صلوات الله وسلامه عليه – حتى إنه قد خرج الإمام أحمد في المسند عن عقبة بن عامر أنه سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)، فالنجاة إذن بضبط اللسان واستخدامه في الموضع السليم، بهذا يحصل الخير للإنسان بل ويُجمع له الخير كله بمنِّ الله وفضله.
ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يجعلك من عباد الله الصالحين وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه وأن يزيدك من فضله وأن يفتح عليك من بركاته ورحماته .
وبالله التوفيق