كتبت - نوريهان سيف الدين:
حلم يوما أن يكون مخرجا عالميا ترتفع باسمه نجمة في سماء هوليوود، تحقق له ما أراد بعد حمله رسالة تحسين صورة العرب والإسلام، ونفى تهمة الإرهاب عنهم، إلا أنه مات مقتولا ''بأيدي الإرهاب''.
المخرج السوري العالمي ''مصطفى العقاد''، صاحب أشهر الأفلام التاريخية الإسلامية عالميا ''الرسالة''، ولد ''مصطفى العقاد'' في حلب السورية في الأول من يوليو 1930، حلم أن يكون مخرجا في ''هوليود'' - عاصمة السينما العالمية - إلا أن أهله سخروا منه، ولما أصر على حلمه قالوا له أن يذهب للقاهرة ''هوليود الشرق''، ولكنه عزم على تحقيق إرادته.
بالفعل أنهى ''الشاب مصطفى'' دراسته الإلزامية'' وسافر لدراسة الفنون المسرحية بجامعة كاليفورنيا الأمريكية في 1954، ووقت رحيله لم يكن معه سوى ''مصحف'' أعطاه له والده ليحميه ويذكره بتعاليم دينه والالتزام بها، ومبلغ ''200 دولار'' لحين يتدبر أموره.
عانى ''مصطفى العقاد'' بسبب اسمه وسط مجتمع ينظر للعرب والمسلمين على أنهم ''متخلفين ورعاة إرهاب''، ولكنه أصر على عدم تغيير لقبه حتى تخرج بعد عامين 1958.
حصل ''العقاد'' على الجنسية الأمريكية، وعمل في ''ستودياهات هوليوود''، وكان يتبنى رؤية ''بناء جسر'' بين العرب والإسلام'' ونفي تهمة الإرهاب عنهم، و بين الغرب ونظرتهم الدونية لهم.
خرج ''العقاد'' عام 1976 بفيلمه التاريخي العالمي ''الرسالة'' بجزئيه العربي والإنجليزي، ليروي قصة بعث رسالة الإسلام إلى نبي الله ''محمد'' - صل الله عليه وسلم - والأحوال الاجتماعية في شبه الجزيرة العربية، وعرض لأحداث الهجرة من مكة للمدينة، ونشأة العاصمة الأولى للدولة الإسلامية.
حرص ''العقاد'' على تلافي الأخطاء التاريخية والعلمية الدينية في الفيلم، بادئ الأمر كان الإنتاج مشتركا بين ''المملكة المغربية وليبيا''، إلا أن الهيئات الدينية السعودية اعترضت لتجسيد الصحابة وعلى رأسهم ''حمزة'' - عم الرسول - وهددت بقطع العلاقات مع البلدين، فاستجابت المغرب، وأصرت ليبيا على استكمال التصوير في صحرائها.
بعد خمسة أعوام، تحرر ''العقاد'' من قيود رقابة الهيئات الدينية لتجسيد الشخصيات التاريخية والدينية، وقدم قصة حياة المجاهد الليبي ''عمر المختار'' المكافح ضد الاستعمار الليبي، وكما كان ''أنتوني كويني'' بطل النسخة الإنجليزية من ''الرسالة - دور حمزة بن عبد المطلب''، كان أيضا مؤدي دور ''عمر المختار'' في النسخة الإنجليزية بعنوان ''أسد الصحراء 1981''، وكأنه اعتراف بفضل ''ليبيا'' بصعود اسم المخرج ''العقاد'' عالميا بعد الرسالة.
لم تكن فقط الأفلام التاريخية هي مجاله الوحيد، قدم أيضا أجزاء أفلام ''هالوين'' وفيلم ''موعد مع الخوف 1985''، وظلت تراوده رؤية إظهار صورة العرب والمسلمين كما يجب أن تكون، وعكف لسنوات طويلة على دراسة شخصية ''الناصر صلاح الدين'' والفترة التاريخية المزامنة له، إلا أن رفض عدة دول عربية تمويل الفيلم حال دون تحقيق حلمه.
قبيل رحيله، كان يستعد لتصوير فيلم ''أمير الاندلس''، وهو أيضا يدور في نفس فلك ''العرب والمسلمين''، واختار العاصمة الأردنية ''عمان'' لعقد مؤتمر صحفي يعلن فيه تصوير الفيلم بالمملكة الأردنية، ولم يكن المؤتمر وحده هو سبب قدومه للأردن، بل ذهب لحضور حفل زفاف لنجل صديقه وتبعته ابنته ''ريما'' بعد يومين.
في الحادي عشر من نوفمبر 2005، وأثناء انتظاره قدوم ''ريما'' ببهو فندق ''جراند حياة عمان'' نسفت أيادي الإرهاب الفندق، وتوفيت ابنته لحظة وصولها، و لحق بها ''العقاد'' بعد يومين من محاولات إنقاذ حياته بإجراء العمليات الجراحية، إلا أن الإرهاب وضع لحياته كلمة النهاية بعد أن عاش سنوات عمره يحاربه.
عاش ''مصطفى العقاد'' مع كل مأساة تصيب العالم العربي والإسلامي، عندما اندلعت حرب البوسنة فكر في إنتاج فيلم بعنوان ''وامعتصماه''، وعند تدمير الجيش الروسي مدينة ''غروزني'' فكر بإنتاج فيلم عن ''الإمام محمد شامل''، الثائر والمجاهد الشيشاني المعروف، وقبل وفاته تحدث العقاد عن فكرة إخراج فيلم عن ''أسامة بن لادن''، وقال أن هناك اختلافاً في تعريف من يكون ''بن لادن''.